الجهاد للبلهاء
بقلم: عمرو الزنط
تري ماذا كان ِيقرا بعض ال”جهاديين” الذين ذهبوا للقتال في سوريا؟ لقد تبين لمحكمة بريطانية اخيرا ان اثنين من الجهاديين البريطانيين اشترا كتبا مثل “اِسلام فور داميز”، وايضا القران “فور داميز” من موقع “امازون” قبل الذهاب.. “فور داميز” هي سلسلة من الكتب تهدف لعرض مواضيع شتي بطريقة كاريكاتورية سلسة وسهلة يمكن ان يستوعبها من ليست لديه اية فكرة عن الموضوع، بل ان كلمة “فور داميز” في الحقيقة تعني للبلهاء او الاغبياء.. لذلك فهناك كتب ك”اينشتاين فور داميز” والنسبية فور داميز واُيضا الاسلام للداميز.. يمكن من ذلك استنتاج ان علي الاقل بعض ممن يذهب ليقاتل ويُقتل في سبيل الاسلام لا يفعل ذلك عن ممارسه او فهم متعمق، حتي لو كان متطرفا.. الدافع في مثل هذه الحالات لا يبدو انه تلبية لفهم فقهي حلل القتال انما هو القتل نفسه، في اطار عدمي لا يعرف حدود يمكن من خلاله افراغ طاقات مكبوته كجزء من مجموعة والمعني الذي تقدمه تلك المجموعة لشخص محتاج لمثل هذا المعني.
مع ذلك فيبدو أنه من الضروري وجود خلفية فكرية تؤهل المرء لاستيعاب الدرس الجهادي التكفيري، حتي لو كان “فور داميز”. ذلك لكي يتجه التنفيس عن رغبات الانتماء لجماعة في “اتجاه جهادي”، وليس في اتحاه الموسِقي والفن او في جماعة “هيبيز” او “هيلز انجيلز” مثلا، او حتي في صوب الاجرام الجماعي العادي. من الواضح ان الكثير من المسلمين، ممن وجدوا انفسهم منعزلون بلا معني لحياتهم داخل وخارج دار الاسلام، يجدون “هيبة” وعفة وشرف في ابشع الممارسات باسم “الامة”، والتي لا يجدونها في مجالات اخري يمكن ان تساعدهم في “محنتهم الوجودية” وتنفس عن نزعاتهم العدوانية.. هذه ال”هيبة” وليدة السياق الصراعي الذي يسود المجال العام العربي وتفسير التاريخ فيه.. هذا الخطاب اخذ في الماضي صورا قومية شبه علمانية، لكنه في العقود الاخيرة تجسد في صيغة دينية صريحة، تتحدث عن اعادة امجاد “الامة” في عصور الخلافة الاولي، في اطار لا ياخذ في الاعتبار الحقاىق الحضارية والتاريخية، انما فقط يؤكد تكرارا ان اعادة ال”مجد” ممكنا، فقط اذا اتحدنا كلنا كجماعة في صراعنا مع من يعوق المسيرة، داخليا وخارجيا.. هكذا كالسحر؛ وهو سحر سهل وسلس، وجذاب للكذير من البؤساء ممن وصلتهم الرسالة داخل وخارج العالم العربي. لكن كيف وصلتهم؟
هناك من يتهم انظمة عربية او غير عربية بدعم “داعش” مثلا، لكنه ليس من المرجح ان تتبني اي دولة مثل هذا الكم من العنف العدمي، لانه من الواضح انه صعب السيطرة عليه ويمكن ان ينعكس ضدها، بل ان هذه السمة العدمية ذاتها، التي لا تعرف حدود، هي اهم اسباب نجاح “داعش” وقدرتها علي جمع وحشد المقاتلين العدميين وتمويل نفسها عن طريق العربدة والسطو المسلح، ولا اعتقد ان “داعش” نفسها تريد ان تخضع لاي حدود قد يفرضها عليها “ممول” ما.. لكن الحقيقة ايضا ان “داعش” الي حد كبير تشكل تجسيد لمزيج من تراث خطاب قومي زاعق، ادي الي كوارث في الماضي في اطارمواجهات عدمية- لانه لم يراعي التداعيات او يحسب الثمن، فكان مغرما بلغة الشعار الصراعي اكثر من معطيات الواقع- وايضا خطاب وهابي لم يختلف النمط الإبادي المدمر الذي ساد بدايات سيطرته علي شبه الجزيرة العربية عن مماراسات “داعش” كثيرا (وكان ذلك بالمناسبة في القرن الثامن عشر، حين كانت اوروبا تعيش تداعيات الثورة العلمية والثورات السياسية المؤسسة للديموقراطيات الليبرالية الكبري).. والاساس الفكري لهذا النهج الاخير قد روج له خلال العقود الماضية من قبل بعض النخب الخليجية داخل العالم العربي وخارجه، فاحدث رنين في ذهن جموع البؤساء.
بعض النخب العربية تقف في حالة فزع امام ظاهرة “داعش”، لكنهم هم من صنعوا القمقم الذي يجسد نهاية منطقية للكثير مما دعوا اليه، علي الاقل ضمنيا، وزايدوا علي بعضهم البعض فيه.
نشرت نسخة مختصرة من هذه المقالة في جريدة المصري اليوم بتاريخ ٢٩/٨/٢٠١٤