الدعم الخليجى.. هل يُخرج الاقتصاد من الركود؟
بقلم: عمر الشنيطي
تعول الحكومة على الدعم الخليجى لإخراج الاقتصاد من الركود وهو ما يمثل الحل الأمثل، شريطة أن يكون الدعم كبيرا بما يكفى وأن يتم ضخه بشكل سريع وفعال. قامت السعودية والإمارات والكويت بتقديم مساعدات تناهز ٢٠ مليار دولار عقب ٣٠ يونيو، تشمل منحا ومواد بترولية وقروضا ميسرة. وتم بالفعل استخدام ١١٧ مليار جنيه العام الماضى من هذه المنح، بالإضافة لوديعة حرب الخليج التى كانت لدى البنك المركزى منذ التسعينات، كما تم إدراج ٢٣ مليار جنيه فى موازنة العام الجديد. وكان لهذا الدعم أثر كبير فى المحافظة على قيمة الجنيه وإنقاذ الاقتصاد من الانكماش لكنه لم يخرجه من الركود.
وقد أعلنت السعودية والإمارات استمرارهما فى دعم مصر شريطة البدء فى إصلاح اقتصادى مستدام، وقامت حكومة أبوظبى بالاستعانة بشركتين للاستشارات الإدارية والمالية لتحليل الوضع. وبناء على دراستيهما، فعلى مصر تبنى برنامج لإعادة هيكلة الاقتصاد برفع الدعم والسيطرة على عجز الموازنة والدين العام وهو ما تبنته الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى العمل على زيادة التدفقات المالية الخارجية والتى ينبغى أن تصل لحوالى ١٢٠ مليار دولار على مدى الأربع سنوات القادمة، للحفاظ على قيمة الجنيه وتحقيق معدل نمو ٥٪ للخروج من الركود خاصة مع تراجع الاستثمار الحكومى فى الموازنة الجديدة.
ومن المتوقع أن يقوم صندوق النقد بتمويل مصر بعد رفع أسعار الطاقة والذى يؤكد العزم على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى جذرى رغم تكلفته السياسية والاجتماعية. كما يفترض أن يصاحب ذلك قروض ميسرة من بنوك تنموية أخرى بالإضافة لقروض محدودة من دول الخليج الداعمة بحيث تصل إجمالى القروض لقرابة ٢٠ مليار دولار.
ويأتى دور الاستثمارت الأجنبية والتى يجب أن تصل لحوالى ١٠٠ مليار دولار للنهوض بالاقتصاد. ولعل التصور أن تقوم الشركات الأوروبية والأمريكية باستثمار نصف المبلغ، بينما تتكفل دول الخليج الداعمة بالنصف الآخر. لكن هناك إشكاليتين فى ما يخص الاستثمارت الغربية. الأول أن الاستثمارت الغربية مثلت ما يزيد على ٨٠٪ من إجمالى الاستثمارت الأجنبية البالغة قرابة ٥٠ مليار دولار خلال فترة ٢٠٠٢-٢٠١١، لكنها تراجعت بشدة منذ الثورة ومن المتوقع أن تظل على موقفها الحالى لعدة سنوات بسبب الوضع الملتهب فى المنطقة. وقد يطمئن تمويل صندوق النقد هذه الشركات ويثنيها عن الانسحاب من السوق المصرىة وربما يدفعها لاستكمال استثمارات تم البدء بها سابقا، لكنه من غير المتوقع أن يدفعها للتوسع فى الاستثمار على المدى القصير وربما المتوسط. الثانى أن ثلثى الاستثمارات الأجنبية كانت فى قطاع البترول والذى مر بأزمة كبيرة بعد الثورة بسبب تأخر مستحقات الشركات الأجنبية لدى الحكومة مما أدى إلى تراجع العديد من هذه الشركات عن التوسع فى مصر ودفع بعضها إلى الانسحاب من السوق. وبعد اتفاق الهيئة العامة للبترول بجدولة المديونية المتراكمة، فإن أقصى ما يمكن أن نتنمناه هو أن تعيد هذه الشركات استثمار جزء من مستحقاتها حال تحصيلها.
ويأتى هنا دور الاستثمارات الخليجية حيث يجرى الحديث عن إجمالى استثمارات بحوالى ٥٠ مليار دولار سيتم الإعلان عنها فى المؤتمر الاقتصادى لدعم مصر والذى تم تأخيره لنهاية العام. لكن هناك عدة ملاحظات على ذلك:
أولا: المشروعات المتوقعة أغلبها كبيرة وطويلة الأجل سواء فى قطاعات الطاقة أو البنية التحتية. وتطوير هذه المشروعات من دراسات جدوى وتراخيص وتمويل واختيار المقاولين قد يتطلب بين ٦ أشهر إلى عام فى أحسن الأحوال ولذلك فإنشاء أغلب هذه المشروعات لن يبدأ إلا فى العام المالى القادم، كما أن مرحلة الإنشاء تستلزم وقتا طويلا قد يتخطى ٣ سنوات ومن المعتاد أن يتم تنفيذ مثل هذه المشروعات على فترات أطول من المخطط لها.
ثانيا: من غير المتوقع أن تقدم الشركات الخليجية الخاصة على الاستثمار نظرا لارتفاع المخاطرة لكن ستتصدر المؤسسات السيادية المشهد. وعلى الرغم من الطبيعة السياسية لهذه الاستثمارت فإنها ستستهدف معدلات ربحية مرتفعة لتعويض المخاطر خاصة أن الحكومة المصرية ستكون على الأغلب طرفا فى هذه المشروعات كمشترٍ نهائى وهو ما سيتطلب ضمانات للمستثمرين قد تؤخر بدء بعض المشروعات.
ثالثا: عادة ما يأتى ثلثا تمويل مثل هذه المشروعات من وكالات ائتمان الصادرات للدول التى اختيرت شركاتها لإنشاء المشروعات. ومن المتوقع أن تكون الوكالات الغربية متحفظة على التمويل، ولذلك سيكون التوجه للشركات الآسيوية خاصة الصينية. وبصرف النظر عن استعداد الوكالات الآسيوية لتمويل هذا الحجم من المشروعات إلا أن الاعتماد على هذا الشكل التمويلى سيحد من تأثير الاستثمارات على الاقتصاد لأن الجزء الأكبر منها سيذهب للشركات الأجنبية التى سيتم اختيارها كمقاولين عموم للمشروعات. أما ما تبقى من رأس مال، فيتم تمويله من خلال الديون المحلية والمستثمرين ومن المفترض ألا تكون هناك عوائق فى كلتا الحالتين.
الخلاصة أنه من المتوقع أن تكون الاستثمارات الخليجية أقل مما تم الترويج لها سابقا وأن يتم تنفيذها على فترة زمنية أطول من المخطط لها وأن يكون أثرها على الاقتصاد أقل مما تعول عليه الحكومة. وعلى الرغم من أهمية الدعم الخليجى فإن أقصى آمال الحكومة منه قد تكون الانخفاض التدريجى للجنيه دون انهياره واستمرار حالة الركود وتباطؤ النمو دون الدخول فى غياهب الانكماش.
نُشر هذا المقال فى “جريدة الشروق بتاريخ ٩ أغسطس ٢٠١٤