لعب البوكر في القاهرة
بقلم: صامويل تادرس، باحث في مركز هدسون للحرية الدينية
التصريح الذي اصدرته القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، محذرة من انه اذا لم تتم الاستحابة لمطالب الشعب المصري في خلال 48 ساعة، فانها ستضطر لتحمل مسئوليتها التاريخية، وضع كلمة واحدة في أفواه المتابعين للشأن المصري: انقلاب عسكري. صدور التصريح بعد يوم من التظاهرات الضخمة الداعية لخلع الرئيس المصري محمد مرسي، مع الأخذ في الاعتبار الدور التاريخي للمؤسسة العسكرية في الشئون المصرية، فان ردة الفعل هذه قد تكون مفهومة. ولكن النظرة المتفحصة للتطورات في مصر تجعل الموقف اكثر تعقيدا من ذلك. تصريح القوات المسلحة تبعه بقترة قليلة تصريح أخر، أو لنقل توضيح، على صفحة القوات المسلحة على موقع التواصل الأجتماعي الفيسبوك، بأنه لا يوجد انقلاب عسكري، توضيح أتى بعد لقاء جمع بين رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء و وزير الدفاع. نفس وزير الدفاع المفترض قيامه بانقلاب منذ بضعة ساعات على نفس الرئيس. ان كان هذا انقلابا، فهو أعجب انقلاب عسكري في التاريخ.
تخيل الوضع في مصر كلعبة بوكر بين لاعبين. كل لاعب يمسك بأوراقه قريبة من صدره لاخفائها، و يعرف جيدا أن اوراقه ليست أفضل ما يكون. يعتقد كل لاعب أنه يعرف عن الأخر بضعة أشياء تؤهله لتوقع ما قد يصدر منه، ولكن بدون أي تأكيد. لا يتمنى اي منهم اكثر من ان يستطيع خداع الأخر واجباره على الانسحاب. فدعونا نلقي نظرة على اوراق كل منهم.
الفريق اول عبد الفتاح السيسي، يتربع على قمة أهم و اقوى مؤسسة في جمهورية مصر العربية، قواتها المسلحة. يخلف في هذا المنصب المشير محمد طنطاوي، المقال بقرار رئيس الجمهورية في أغسطس الماضي. القوات المسلحة المصرية كانت دوما العماد الأساسي للنظام و الدولة المصرية منذ 1952 و تتمتع يشعبية و قوة رهيبة في مصر. أداء القوات المسلحة خلال فترة حكمها الانتقالي في مصر كان اقل بكثير من المتوقع، حيث فشلت القوات المسلحة في حكم و ادارة البلاد، مما أدى الى مرحلة انتقالية متخبطة، قادت الى انهيار شعبيتها، هذه المؤسسة التي تعتبر نفسها حامي حمى البلاد، و الوحيدة القادرة على تحديد و حماية المصالح القومية المصرية. انهيار قوات الشرطة المصرية القى بالمزيد من المسؤلية على عاتقها.
نجح الفرق السيسي في عكس هذه الموجة بعد ان اتهم بكونه مجرد مخلب للاسلاميين، تمكن من ان يعيد شعبية القوات المسلحة الى مستوياتها المرتفعة تاريخيا. المظاهرات الضخمة بالأمس القريب كانت تطالبه، بل تتوسل اليه، ان يتولى مقاليد الأمور.
ولكن، لا يريد الفريق السيسي ان يتولى مقاليد الأمور و مسئولية مصر المباشرة، و ليس بالضرورة من خلال انقلاب عسكري. الفريق السيسي يعرف جيدا ان مصر بلد لا تحكم في الوقت الحالي، و أن عودتها الان الى الحكم العسكري سيفقد القوات المسلحة شعبيتها المستردة حديثا. الأكثر اهمية من ذلك، هو يعلم تمام العلم بأن الاسلاميين ليسوا بالعدو السهل. لن يجلس الاسلاميين ليحتسوا اقداح الشاي بينما يقوم السيسي بعزل محمد مرسي. ان كانت الدولة المصرية، في أوج عنفوان نظام الرئيس مبارك، احتاجت الى 15 عاما للقضاء على الجهاديين في جنوبي البلاد، فالفريق السيسي ليس متحمسا لمواجهة هذا التحدي الأن. حتى لو كانت ثقته في القوات المسلحة كاملة، و هذا في حد ذاته سؤال مطروح، و حتى لو لم يكن لديه مانع لذبح الاسلاميين، فهو يعلم جيدا أن المجتمع الدولي لن يكون مؤيدا لمثل هذا السيناريو.
على العكس، يفضل الفريق السيسي ان يعقد صفقة. منطقه في هذا بسيط. اذا نجح في الضغط على الرئيس مرسي بالقدر الكافي، ربما يستطيع ان يجبره على تفهم طبيعة الموقف، باتجاه معادلة بسيطة قد تحل المسألة. ربما تكون انتخابات رئاسية مبكرة، او ضمانات لنزاهة انتخابات مجلس الشعب المقبلة، او قد تكون تعيين حكومة وحدة وطنية. بغض النظر عن طبيعة المعادلة و حلها النهائي، ستنجح المعادلة في جعل كل اللاعبين السياسيين غير قادرين على السيطرة على الدولة بمفردهم، و تجبرهم على العمل سوية تحت ضمانة الجيش لحسن سلوك الجميع. تحت ضغط المظاهرات الضخمة و التهديد بانقلاب عسكري، حسابات القريق السيسي تقوده الى انه قادر على اجبار مرسي على التراجع، و منعه من زيادة الرهان في اللعبة.
اوراق الرئيس محمد مرسي سيئة، فادارته للبلاد كانت مريعة، و نجح في استعداء العديد من مناصريه الأصليين. و بعد توقعات ثورة يناير المبالغة، عجز الرئيس عن التنفيذ. المظاهرات المعترضة على حكمه ضخمة، و اكبر كثيرا من توقعاته، و ان كانت اقل من احلام معارضيه. يعرف الرئيس مرسي ان هذه هي لحظة الحسم، ليس له وحده، و انما لتنظيمه ككل.
الرئيس مرسي ليس لاعبا مستقلا على هذه المائدة، انما يمثل، و يخضع لتوجيهات، شيء اكبر منه. الأخوان المسلمون. الأخوان انتظروا هذه اللحظة لمدة 80 عاما. رأى الأخوان مستقبلهم السياسي يشرق فجأة بسقوط نظام الرئيس مبارك، و لكن فوجؤوا بخطر اخر حول المنعطف. تسيطر نظريات المؤامرة على عقل التنظيم، فهم لا يستطيعون رؤية العالم الخارجي او تفهمه، و لا يستطيعون افلات هذه اللحظة من ايديهم. هذه هي اللحظة، النصر أو الشهادة. التنظيم يعلم جيدا انه اذا تم انقلاب عسكري، فان النرد محمل ضدهم، ووقوع حرب أهلية طويلة على النموذج الجزائري ليس في صالح الأخوان المسلمين، و على عكس توقعات البعض، الأخوان المسلمين ليسوا تنظيما ثوريا، بعد قبولهم العمل من خلال النظام الساسي طيلة 80 عاما بمراحلهم المختلفة.
حري بالأخوان التصرف بنفس اسلوب القوات المسلحة، خداع اللاعب الأخر. يعلم الأخوان جيدا ان الولايات المتحدة الأمريكية لن تتحمس لانقلاب عسكري، وان القوات المسلحة غير متأكدة من حجم تأييد الأخوان في الشارع، او ما يمكن ان تفعله الفصائل الاسلامية الأخرى. دعى الأخوان انصارهم للتظاهر في الشارع بالملايين اليوم هادفين لاظهار ان مرسي ما زال يحظى بتأييد شعبي. تأمل الجماعة في ان خوف القوات المسلحة من ردة الفعل الأمريكية، مصحوب بقلقها من الصدام مع الاسلاميين، قد يجبر الجيش على التراجع. و يعلم الأخوان جيدا أنه لا بد من تقديم تنازلات الأن، و لكن لا يريدون أي مشاركة جادة لسلطتهم.
ربما تكون هناك بقية أمل في مصر. قد يكون هناك نوازن جديد للقوى على الساحة يتم خلقه الأن، ليس في بنود و فقرات الدستور، و انما على أرض الواقع. كل الأطراف يجب عليها ان تستوعب أن مصر أكبر منهم، و أن بعض التواضع مطلوب بالحاح الأن
و لكن، تظل هناك عاصفة في المخاض. فاللاسف، لم يمارس أي من اللاعبين لعبة البوكر من قبل. وقد ينتهي الأمر الى أن يرفع كل منهم قيمة رهانه حتى تتخطى نقطة اللاعودة، بل هناك لاعبون صغار أخرون، قد يجبرون الأخوان و القوات المسلحة على كشف أوراقهم، فقيام بعض ضباط الشرطة باطلاق النيران على منزل نائب المرشد العام للأخوان، او قيام عناصر اسلامية بفتح النيران على دورية عسكرية، قد تكون شرارة الانفجار لهدم المنزل فوق رؤوس الجميع.