عن تحمل المسئولية
بقلم: سارة لبيب
قابلت ذات يوم رجل من أصل عربى هاجر منذ عشرات السنين إلى الولايات المتحدة حيث نجح فى حياته العملية حتى وصل إلى مركز مرموق. سألته كيف وصلت لما أنت فيه و هل واجهتك صعوبات لكونك من أصل عربى؟ كنت فى سن صغير آنذاك لكنى اتذكر رده بوضوح: “لا أعتبر موضوع الأصل مهماً بقدر إهتمامى بتنمية قدراتى و العمل الجاد، و إن فشلت، لا أعتبر بشكل تلقائى أن السبب هو أصلى كما يفعل الكثيرون، فطريقة التفكير هذه خطيرة و لن توصلنا لشئ، إن فشلت، أنظر لنفسى أولاً.” أبعاد هذا الدرس، الذى مازلت أحمله معى، و أهميته تظهر حين ننظر لأنفسنا فى الوقت الحالى. فنحن أعظم شعب و أطفالنا أذكى أطفال لكننا فى مؤخرة العالم لأن هناك مؤامرة ما ضدنا و الإخوان أيضاً لديهم مشروع رائع مكتمل الأركان لكن العالم كله يعمل لإجهاضه و هذا سبب فشلهم.
نسمع كثيراً من يقول أن إنتشار نظرية المؤامرة هى من أسباب تأخرنا بين الشعوب و لكن السبب الأعمق فى رأيى هو عدم تحمل المسئولية و البحث الدائم عن الأعذار. هناك ظاهرة أخرى متعلقة بهذا و هى “عقدة الضحية”، ما عليك إلا أن تقرأ أى جريدة او تشاهد أى برنامج تلفيزيونى فى الآونة الأخيرة إلا و ستجد من يلوم الكل لحالتنا المتدنية كشعب و كدولة و إن لم يجد أحداً ليلومه فسيخترع شيئاً ما. المهم أن المتكلم غالباً يعتبر أننا ليس لنا ذنب فى ما يدور. نجد هذا أيضاً فى المجتمع بشكل عام حيث قال أحدهم مرة لرجل معترض على تدنى مستوى الأدب و الأخلاق فى التعاملات العامة “هذه طريقة كلام الفقراء الغلابة و من التعالى أن تلومهم او ترفض طريقتهم فى الكلام.” و هكذا أيضاً من يتكلم عن المتحرش يجد من يجاوبه “معلش ده غلبان، ليس بوسعه أن يتعامل مع الناس بطريقة مختلفة.”
الحالة مريبة و الأمل ضعيف لكن لابد أن ندرك أن فهم المشكلة يُعد أول خطوة فى حلها. فشلنا نحن السبب فيه أولاً و اخيراً
الغريب فى الأمر أن من يستخدم هذه الأعذار و التبريرات يعتقد أنه يدافع او يخدم من يخلق لهم الأعذار. حقيقة الأمر هى أنه يجزم أن لا قوة لهم ولا حيلة، ليس لهم إرادة حرة و ليس بإمكانهم أن يغيروا أحوالهم او حتى ان يسعوا إلى تحسينها. هذا ما أوصلتنا إليه ثقافة عامة تعتبر الضعف و قلة الحيلة قدر لا هروب منه.
إذا طبقنا هذا على الحالة السياسية – و وضع الليبراليين بالأخص – فسنجد من يقول أن الإسلاميين هم قدرنا و أن لا هروب من حكمهم إلا من خلال إنقلاب عسكرى عنيف يرجعهم إلى السجون. لكن ما دورنا نحن – غير المنتمين للتيار الإسلامى السياسى – فى القصة؟ جماعة الإخوان المسلمون و الجماعات السلفية كذلك عملوا و إجتهدوا فى بناء ما يساعد من هم فى حاجة إلى المساعدة و فى إكتساب ثقتهم أصواتهم. رأوا فرصاً سياسية و إنتهزوها. هى بالفعل ليست وصفة سحرية و لا مؤامرة عالمية. بالطبع كل الدول لها إتجاهات و مصالح خاصة لكنها فى النهاية مضطرة أن تتعامل مع الأمر الواقع كما هو، فأمريكا مثلاً تعاملت مع الإخوان لأنهم الفصيل المنظم القوى الموجود على الساحة و كانت ستفعل نفس الشئ إذا كان الليبراليون هم الفصيل الأقوى آنذاك.
لن أنكر أن الحالة مريبة و الأمل ضعيف لكن لابد أن ندرك أن فهم المشكلة يُعد أول خطوة فى حلها. فشلنا نحن السبب فيه أولاً و اخيراً، لماذا لم ننجح فى شد الناس إلى أفكارنا و إقناعهم بما ننادى به؟ لماذا و نحن بيننا عقولاً مستنيرة و أصحاب علم و خبرة لم نستطع أن نخلق بديلاً قوياً لليسار و الإسلام السياسى حتى الآن؟ من السهل أن نلوم غيرنا و ننتظر أيضاً من الآخر أن يحل المشاكل التى نقع فيها و هذا لأن تحمل المسئولية يُعد أمراً صعباً على كثيرين لا تسمح لهم الذات بأن يعترفوا بدور ما فى المسرحية الهزلية التى نراها. أما من يرى فى الأحداث الجارية مرآة تظهر له ضعفه، فهذا من سيسعى للبحث عن حلول شافية و يعمل فعلاً على تنفيذها. النهج الليبرالى متأصل فى فكرة العمل المجتمعى التطوعى و المسئولية الشخصية، لا تنتظر من الجيش او الدولة ما لا تريد أنت أن تفعله و لا تلوم غيرك على إختيار فاشل حين لم تسع أنت إلى تقديم بديلاً ناجعاً.