الكونجرس وعامان بعد مرسي

أثارت أحد جلسات لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي ردود فعل صاخبة في الإعلام المصري اشتملت علي توجيه اتهامات إلى المشاركين في الجلسة، ومن ضمنهم صامويل تادروس، أحد المساهمين في “عين العقل”. وايمانا منا بأهمية أبراز الحقائق للقراء، واعطائهم الفرصة لتشكيل أرائهم الخاصة، فاننا ننشر نص الشهادة أدناه.

لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب
اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مصر: عامان بعد مرسي (الجزء الأول)
شهادة صامويل تادرس
كبير باحثين بمركز الحريات الدينية بمعهد ’هدسون‘
20 مايو 2015
السيدة الرئيس، النائب الأقدم ’دويتش‘ (Deutch)، أعضاء اللجنة الموقرين
أشكركم على عقد هذه الجلسة الهامة، وعلى دعوتي اليوم للإدلاء بشهادتي حول مصر بعد مرور عامين على انتهاء حكم ’مرسي‘.
خلال فترة الأربع سنوات ونصف الماضية، وبعد عقود من الركود السياسي، تزعزعت أساسات النظام السياسي في مصر في جوهرها، إذ واجه المواطنون أسئلة حول الديمقراطية، وسيادة القانون، وهوية البلاد. وفي يوليو 2013، في أعقاب احتجاجات شعبية، عزل الجيش الرئيس ’مرسي‘ من منصبه، ليقطع وعدًا للشعب المصري لا بعهد جديد من الاستقرار والأمن فحسب، ولكن أيضًا بالرخاء والمساواة بين المواطنين. ومنذ انتخابه رئيسًا للجمهورية في مايو 2014، تقع مهمة تحقيق هذه الأحلام على عاتق الرئيس السيسي. وفي حين أن مصر تواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية هائلة، فإنَّني سوف أركِّز في شهادتي اليوم على مسائل الحرية الدينية، وسيادة القانون، ودعوات الإصلاح الديني. وسوف يكون من دواعي سروري أن أتناول جوانب أخرى من التحديات التي تواجه مصر في الجلسة المخصصة للأسئلة.
في 26 مارس 2015، تجمَّع حشد من الناس في قرية الجلاء بمحافظة المنيا، وبدأوا في مهاجمة منازل المسيحيين ومتاجرهم. وكان الغضب قد تمَّلك الحشد المذكور إزاء حصول المسيحيين على تصريح لهدم الكنيسة المحلية التي تخدم 1400 قبطي وإعادة بنائها. وكان الأقباط قد حصلوا على تصريح عام 2004 لبناء كنيسة جديدة أكبر حجمًا، بعد تردي حالة مبنى الكنيسة القديمة ونظرًا لعدد الأقباط المتزايد. إلا أنَّهم مُنعوا مرارًا وتكرارًا من تحقيق ذلك. وفي يناير 2015، سعى الأقباط لتجنب المواجهة من خلال ترميم الكنيسة القديمة، إلا أنَّ الحشود هاجمتهم. وفيما صار ممارسة معتادة، طالبت الحشود بألا تحمل الكنيسة أي علامة دينية مسيحية خارجية: فلا قبة، ولا صليب، ولا برج، ولا جرس. وأن يكون مدخلها من شارع جانبي. وبدلًا من حماية الأقباط والحفاظ على سيادة القانون بالسماح ببناء الكنيسة، أجبرت قوات الأمن والسلطات المحلية الأقباط على عقد جلسة صلح، وضغطت عليهم لقبول تلك المطالب. ونتيجة لهذا السلوك من جانب الشرطة، تمادى المحتجون فأضافوا مطلبًا جديدًا، بأن ينشر الأقباط اعتذارًا للأهالي المسلمين في الصحف عن شكواهم بشأن الهجوم عبر وسائل الإعلام وتشويههم لصورة القرية. وعلاوة على ذلك، كان على الأقباط توقيع اتفاق مفاده أن يلتزموا بعدم السعي إلى بناء كنيسة جديدة في حال تهدمت الكنيسة القديمة في المستقبل. وبعد أن رفض الأقباط قبول تلك المطالب، تجدد الهجوم في   أبريل وألقيت الحجارة على منازل الأقباط، وتعرضت متاجرهم للنهب، وأصيب سبعة أقباط جراء الاعتداءات. وسيرًا على نهجها المعتاد، ألقت قوات الأمن القبض على 28 رجلًا من القرية، من بينهم 12 قبطيًا. وكان الهدف من هذا الإجراء الضغط على الأقباط للموافقة على عقد جلسة صلح جديدة. وإلى يومنا هذا، ما زال الأقباط ممنوعين من بناء كنيستهم.
ولسوء الحظ، فإن حالة قرية الجلاء ليست فريدة من نوعها. ففي قرية العور المجاورة، مسقط رأس 13 قبطيًا ممن ذبحهم تنظيم داعش في ليبيا، هاجم حشد آخر منازل الأقباط في 27 مارس بذات الهدف: منع بناء كنيسة. وكان الرئيس السيسي قد أصدر قرارًا ببناء الكنيسة المذكورة تكريمًا للشهداء الأقباط، و كرمز لمصر الجديدة، التي يُعامل فيها الأقباط كمواطنين متساوين في الحقوق. ولكن بدلًا من ذلك، باتت تلك الكنيسة رمزًا لمصر التي يواجه فيها الأقباط العنف بسبب عقيدتهم، ويُعامَلون كمواطنين من الدرجة الثانية. واستُخدمت الحجارة، وزجاجات المولوتوف في ذلك الهجوم، ولكن بدلًا من المحافظة على سيادة القانون بإلقاء القبض على المعتدين ومحاكمتهم، عقد المحافظ جلسة صلح بين الطرفين. ونظرًا لعدم قدرة السلطات المحلية على الرجوع عن وعد قطعه الرئيس، أُجبر الأقباط على القبول بأن تكون الكنيسة في أطراف القرية. وبطبيعة الحال، شجَّعت تصرفات السلطات الحشود، وفي 29 أبريل هوجم منزل أحد الضحايا الذين ذبحهم تنظيم داعش في ليبيا.
كما وقعت حادثة مشابهة بقرية الطليحات بمحافظة سوهاج في 11 أبريل الماضي، حينما تملَّك الغضب الحشود إثر شائعات بأنَّ قبة ستُبنى فوق الكنيسة. إلا أنَّ الحشود لم تكن وحدها في مهاجمة الأقباط، ففي 9 أبريل، منعت قوات الأمن الأقباط من بناء كنيسة في أبو قرقاص بمحافظة المنيا. وفي 4 أبريل، هاجمت الشرطة مبنى في مغاغة كان الأقباط يستخدمونه ككنيسة منذ أكثر من عشرة أعوام، وصادرت الشرطة أدوات المذبح والأناجيل. واتَّهم الأنبا ’أغاثون‘، الأسقف الذي تتبعه الكنيسة، علانية قوات الأمن بتحريض المسلمين ضد جيرانهم المسيحيين.
بيد أنَّ التهديدات التي تواجه الحرية الدينية لا تقتصر على الهجمات العنيفة. فقد عانت الأقليات الدينية مثل الأقباط والبهائيين والشيعة لعقود من مجموعة من السياسات التمييزية، تتضمن قيودًا هائلة على بناء الكنائس وترميمها، وإقصاء المسيحيين من الوظائف الحكومية الهامة، وتجريم التحول إلى المسيحية، والقبض على الشيعة بتهمة ممارسة شعائر عقيدتهم، ورفض إصدار بطاقات هوية للبهائيين. وفيما تباينت مستويات التمييز والاضطهاد في ظل الأنظمة المتوالية، إلا أنَّها تمثل جزءًا من نمط مستمر ومتنامي.
وفي أعقاب الثورة المصرية في عام 2011، ظهر تهديد جديد في صورة اتهامات بازدراء الأديان نتج عنها أحكام قضائية متتالية، في قضايا تراوحت بين نشر المتهم لمواد اعتُبرت مسيئة للإسلام على موقع فيسبوك، إلى أن يكون المتهم من بين من أُرسلت إليهم مواد من هذا القبيل. وينتج عن هذه الاتهامات تلقائيًا هجمات من السكان المحليين، لا على منزل المتهم وحده، بل على جميع منازل المسيحيين المجاورة. ولم تكُن المحاكمات التالية لتلك الاتهامات إلا امتهانًا ساخرًا للعدالة، في محاكم حاصرتها الحشود الغاضبة في بعض الأحيان، أو متهمين محرومين من حقهم في الدفاع القانوني.
ولم تتوقف اتهامات ازدراء الأديان ومحاكماتها في عهد الرئيس ’السيسي‘. ففي 10 يناير، صدر الحكم بسجن ’كريم أشرف البنا‘ ثلاثة سنوات، وأيَّدت محكمة الاستئناف الحكم فيما بعد. وفي 16 فبراير، صدر الحكم بسجن ’شريف جابر‘ عامًا واحدًا عقابًا على إنشاء صفحة للملحدين على موقع فيسبوك. وفي 28 أبريل، صدر الحكم بسجن ’مايكل منير بشاي‘ عامًا واحدًا لمشاركته لمقطع مصور أذاعته قناة تلفاز مصرية على موقع الفيسبوك. وفي 12 مايو، عوقب الشيعي ’محمود دحروج‘ بالسجن ستة أشهر لاقتنائه كتبًا شيعية داخل منزله. وأخيرًا، في 8 أبريل، أُلقي القبض على مدرس قبطي وخمسة تلاميذ أقباط بتهمة تصوير فيديو يسخر من تنظيم داعش، لكن لم يصدر حكم بعد في قضيتهم.
إلا أنَّ الأمثلة وقضايا ازدراء الأديان المذكورة أعلاه لم تكُن الأولى، ولن تكون الأخيرة، ما لم يبدأ النظام المصري في مواجهة الأسباب الجذرية للأزمة الطائفية المستوطنة بجدية، إذ أنَّ عجز نظام السيسي عن الحفاظ على سيادة القانون وحماية المسيحيين من الاعتداءات لا يبشِّر بالخير لأكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط. وبينما يعتقد النظام المصري أن لجوءه إلى جلسات الصلح كبديل عن عقاب المعتدين يساعد على استعادة النظام ويحافظ عليه، إلا أنَّ الواقع عكس ذلك تمامًا. إذ أنَّ غياب العقاب أوجد ثقافة عدم المساءلة، والتي تحولت بدورها إلى ثقافة تشجيع. فقد استنتج المتعصبون، ولهم الحق في ذلك، أنَّ مهاجمة الأقباط لن تمر دون عقاب فحسب، بل الأهم من ذلك، أنَّها ستسفر عن تلبية مطالب الحشود. فالنظام المصري يحتاج لتوفير مزيد من الحماية لمواطنيه الأكثر ضعفًا، وأن يمنع وقوع تلك الهجمات، وأن يعمل على إنفاذ سيادة القانون بتقديم المعتدين إلى العدالة. ويحتاج النظام المصري أيضًا إلى تفهُّم أنَّ حماية الأقليات الدينية ليست من ضروب الترف التي تحتل مرتبة أقل من التعامل مع التهديدات الأمنية الخطيرة، أو أنَّ معاقبة من يهاجمون الأقباط أمر يمكن أن ينتظر استتباب الأمن والاستقرار. إذ أنَّ من يهاجمون الأقباط يحملون ذات مشاعر الكراهية التي تؤجج الإرهاب، ولا يمكن تحقيق الاستقرار أو الأمن إذا لم يلقَ المجرمون عقابهم. وفي الوقت ذاته، لا ينبغي استخدام اتهامات ازدراء الأديان كوسيلة لإرهاب الأقليات الدينية.
وقد صدر عن الرئيس السيسي بعض الإشارات الرمزية تجاه الأقباط، مثل زيارة الكاتدرائية عشية عيد الميلاد، وأصبح على علاقة جيدة بالبطريرك ’تواضروس الثاني‘. ولكن من الضروري أن تتبع تلك الإشارات الرمزية خطوات ذات معنى. فعلى الرغم من الوعود المتكررة، فشل النظام في تمرير قانون جديد يحكم تشييد دور العبادة، الأمر الذي من شأنه أن ييسر إجراءات بناء الكنائس. ورغم التصريحات المتكررة بأنَّ جميع المصريين سواسية، ما زال الأقباط يعانون من التمييز في التعيين في الوظائف الحكومية، ولا تزال القيود غير الرسمية المفروضة على عدد الأقباط في المؤسسات الحساسة مثل الجيش والشرطة قائمة، بل إنَّ العديد من تلك المؤسسات، مثل المخابرات والأمن الوطني، لا تضُم قبطيًا واحدا بين صفوفها. فيحتاج الرئيس ’السيسي‘ إلى إبطال تلك الممارسات التمييزية، ووضع نظام للخدمة المدنية يقوم على الجدارة، وليس العقيدة.
وفي خطابه أمام علماء الأزهر، شدَّد الرئيس ’السيسي‘ على الحاجة إلى الإصلاح الديني. فلم يعد ممكنًا أن تقتصر الحرب على الإرهاب على الوسائل الأمنية، بل يجب أن تصحبها مجموعة من السياسات التي تتعامل مع جذور التطرف والإرهاب. فقد أكَّد الرئيس ’السيسي‘ على ضرورة تغيير الخطاب الديني الذي يحض على الكرهية. وبينما تأتي دعوة الرئيس ’السيسي‘ كخطوة مرحب بها، إلا أنَّ النظام المصري يحتاج إلى إثبات جديته من خلال البدء في عملية الإصلاح. إلا أنَّ الدولة المصرية لم تفعل ذلك، بل على العكس، قُلبت تلك الدعوة رأسًا على عقب بقيام وزارة الأوقاف بتشكيل مجموعات لنشر الوعي بالتهديدات التي يمثلها الملحدون والشيعة والبهائيون.
ويمثِّل النظام التعليمي المصري نقطة بدء جيدة. فعلى الرغم من المحاولات المتعددة لإصلاحه، والتي موَّلت بعضها وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنَّ نظام التعليم الحالي في مصر بمثابة حاضنة للتشدد والتعصب ويجب أن تبدأ مواجهة مسائل عدم التسامح والتطرف والتعصب في النظام التعليمي المصري من خلال هيكل النظام ذاته، وعدم الاكتفاء بتعديل المناهج كما جرى في المحاولات السابقة. وينبغي أن تكون المدارس التابعة للأزهر، وهي تضم 24.3 % من طلاب المدارس الثانوية غير الفنية في مصر وتعلِّم مناهجها التعصب ضد غير المسلمين وتساعد على نشر التطرف بين الطلاب، خاضعة لإشراف وزارة التعليم. وينبغي ألا يستمر تعليم الطلاب أنَّ قوانين الذمة مسألة يجب التمسك بها، أو أنَّ المسيحيين ينبغي عليهم دفع الجزية، أو أنَّ بناء كنائس جديدة في دار الإسلام أمر محظور. وينبغي ألا يعتمد إصلاح المناهج التعليمية على الإضافة العشوائية لبعض الأقسام حول قيَم التسامح والمواطنة في الكتب، بل أن يكون من خلال نهج متعدد التخصصات يشدد على قيَم المساواة والسلام واحترام وجهات النظر الأخرى، في جميع أجزاء المناهج التعليمية.
وينبغي أن تتوقف المدارس المصرية عن تخريج طلاب لا يعرفون شيئًا عن العالم المحيط بهم، بل لا يرون إلا فراغًا يملؤه الإسلاميون بالأكاذيب ونظريات المؤامرة. بل ينبغي أن يتعلم الطلاب تاريخ العالم، وتاريخ الأفكار والأديان والثقافات العالمية، لكي يتسنى لهم الوصول إلى فهم الثروة التي يوجدها التنوع واحترام ذلك، وينبغي أيضًا أن تتضمن مناهج التاريخ المصرية الإسهامات الهامة التي قدَّمها المسيحيون واليهود والنساء في المجتمع المصري. وعلى رأس كل هذه الجهود، يجب إيلاء الاهتمام لتعليم المدرسين ذاتهم، نظرًا لدورهم المحوري في كيفية تدريس المناهج وفهمها. وعلاوة على ذلك، ينبغي على وزارة التعليم أن تتوقف عن سياسة إقصاء المدرسين المتطرفين إلى المحافظات النائية في جنوب البلاد، الأمر الذي يجعل من تلك المحافظات مكانًا مثاليًا لتجنيد المتطرفين، وأن تضمن ألا يستمر أي مدرس متطرف في عمله داخل فصول المدارس.
ولن تضع مصر قدميها على طريق الاستقرار والرخاء إلا بمواجهة الأسباب الجذرية لمحنة الأقليات الدينية، والتصدي للتطرف وجهًا لوجه باستئصاله من فصول المدارس، والتمسك بسيادة القانون، ومعاملة جميع المواطنين المصريين بمساواة ودون تمييز، ومنع الهجمات على الأقباط. ويجب على مصر أن تأخذ هذه الخطوات، بل وغيرها كثير، إلا أنَّها ستحتاج إلى مساعدة من أصدقائها الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
وفي 11 يناير 1974، وصل وزير الخارجية الأمريكي السابق ’هنري كيسينجر‘ (Henry Kissinger) إلى أسوان لبدء جولة دبلوماسية مكوكية بين العواصم العربية والقدس. وبينما كان الهدف المباشر للجهود الدبلوماسية التي بذلها ’كيسينغر‘ ضمان الاتفاق على مقترحات فض الاشتباك في أعقاب حرب 1973، إلا أنَّ وزير الخارجية الأسبق سرعان ما اكتشف شريكًا راغبًا في شخص الرئيس المصري الأسبق ’أنور السادات‘. وفي الأعوام اللاحقة، تحققت مصالح أمريكية استراتيجية رئيسية في الحرب الباردة، حيث لم يوافق ’السادات‘ على السعي إلى إحلال السلام الدائم بين دولته وإسرائيل فحسب، بل أيضًا على انفصال مصر عن المعسكر السوفيتي، وانضمامها رسميًا للمعسكر الأمريكي، في مقابل عودة سيناء كاملة إلى السيادة المصرية. وفي مقابل المساعدات المالية والعسكرية والتنموية الأمريكية، صارت مصر حليفة للولايات المتحدة، وراود الأمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة في أن تقود مصر المنطقة بعيدًا عن طريق الحرب والدمار، وأن تفتح الباب أمام عهد جديد من السلام والتعاون.
وعبر نحو ثلاثين عامًا، كانت تلك المعادلة ناجحة. فعلى الرغم من الخلافات المستمرة بين مصر والولايات المتحدة بشأن مجموعة متنوعة من الأمور، مثل عملية السلام، والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، إلا أنَّ شراكة وثيقة نمت بين مصر والولايات المتحدة لمواجهة مجموعة من التحديات الأمنية من غزو ’صدام‘ للكويت عام 1990 إلى مسألة الإرهاب.  والأهم من ذلك أنَّ اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، على الرغم من برودها، استمرت.
إلا أنَّ مصر اليوم ليست مصر التي زارها ’كيسينغر‘ عام 1974 وبنى معها شراكة دائمة. فبدلًا من أن تصير مصر لاعبًا إقليميًا يقود المنطقة إلى السلام، أصبحت ملعبًا للصراع بين مجموعة متنوعة من القوى الدولية والإقليمية والمحلية التي تتنافس في حرب شاملة على وضع المسار المستقبلي للبلاد. فمصر لم تعد أحد المتسابقين، بل أصبحت هي نفسها قصب السبق. وبالرغم من هذه التغيرات، لم تتغير السياسة الأمريكية بالتبعية لتتعامل مع الظروف المتغيرة، واستمرت الولايات المتحدة في بناء سياساتها بشأن مصر على صورة لم يعد لها وجود.
ويجب تغيير ذلك. فبينما تستمر مصر في مواجهة تحديات قاسية على أصعدة أمنية واقتصادية وسياسية متنوعة، تحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير سياساتها تجاه مصر لمواجهة تلك التحديات. وبدلًا من أن تأمل الولايات المتحدة في أن تصبح مصر دولة تقود الشرق الأوسط إلى السلام، تحتاج بدلًا من ذلك إلى أن تعمل على ألا تنحدر مصر إلى الفوضى الإقليمية التي ضربت العديد من البلدان العربية. ولا ينبغي أن تقتصر المصالح الأمريكية في مصر على الحفاظ على معاهدة السلام، وضمان العبور الحر لقناة السويس، والسماح برحلات الطائرات العسكرية الأمريكية في سمائها. فبدلًا من ذلك، ينبغي أن تعاون الولايات المتحدة مصر على مواجهة تحدياتها الدائمة والتغلب عليها. فلا أحد، ولا سيما الولايات المتحدة، يريد صومالًا على وادي النيل، أو ليبيا على حدود إسرائيل، أو سوريا تسيطر على قناة السويس.

وأشكركم مجددًا على عقد هذه الجلسة، وأتطلع لأسئلتكم.