يا أبناء جيل الألفية: تواضعوا لله!
بقلم: جمال أبو الحسن
فوجئ طلاب مدرسة «ويلزلى» الثانوية بالولايات المتحدة بأن مدير المدرسة قرر أن يجعل موضوع خطابه فى حفل تخرجهم عن إنكار الذات. بدلاً من امتداح تميزهم، قال لهم: «أنتم لستم متميزين. الكوكب الذى تعيشون فيه ليس مركز المجموعة الشمسية. المجموعة الشمسية ليست مركز المجرة. المجرة ليست مركز الكون. الحقيقة أن الكون ليس له مركز. وبالتالى: أنتم لستم مركز الكون!».. أضاف: «الحياة الناجحة المتحققة هى حياة الإنجاز، ليست شيئاً سيسقط فى حجرك لأنك شخص لطيف». كلام هذا المربى الفاضل يدق على وتر مهم، يخاطب شعوراً مبالغاً بالذات لدى «جيل الألفية». كلامه ليس بعيداً عن الواقع فى مصر.
جيل الألفية هو الجيل الذى ولد فى الثمانينيات. عالمياً، هو جيل تربى على تكنولوجيا التواصل الاجتماعى. ابن هذا الجيل ينظر فى هاتفه النقال كل خمس دقائق للاطمئنان على أنه تلقى علامة إعجاب جديدة على آخر تعليقاته على الفيس بوك. هو جيل نرجسى، يشعر بأنه يستحق أفضل الفرص. يشعر «بالاستحقاق». يشعر بأنه متميز بصورة حاسمة مقارنة بالأجيال السابقة. يجد صعوبة فى تقبل أى وجهات نظر مختلفة. يمتلك الحقيقة المطلقة.
جيل الألفية فى مصر لا يختلف كثيراً. هو جيل رباه جيل السبعينيات بكل ما عايشه من نكبات قومية وشخصية. النكبات تركت فى الشخصية جروحاً لا تندمل. غرس الآباء فى الأبناء شعوراً مرضياً بالنرجسية والتميز. كثيرون نشأوا فى «بيوت نفطية». الآباء فى الخليج يضخون الأموال. الأبناء فى مدارس أجنبية تمنح قشور تعليم يتباهى بها الأهل، أو فى مدارس حكومية لا تمنح أى شىء سوى الشهادة.
فيديو لخطاب مدير مدرسة ويلزلى في مناسبة تخرج دفعة 2012
جيل الألفية نشأ فى مجتمع «لا سياسى». لا توجد معركة كبرى. الشعور بالوطن انحصر فى أغنيات وطنية تُذاع بعد مباريات الكرة. الشعور بالجماعة معدوم. هو جيل هجر مسلسلات أسامة أنور عكاشة ذات النكهة الستيناتية. قليلون ممن ينتمون لهذا الجيل تأثروا بمحاضرات أبو العلا البشرى فى المسلسل الذى يحمل نفس الاسم. قليلون هزتهم صرخة على الحجار فى نهاية المسلسل: «أنا يوم ما اعيش لنفسى.. ده يوم موتى الحقيقى». كانت هذه الثقافة الستيناتية – بحلوها ومرها- تتوارى بالتدريج أمام ثقافة الألفية. أصبح برنامج المسابقات «ستار أكاديمى» هو حلم كل شاب. البرنامج يقدس الشهرة. شهرة بلا أساس سوى أن تكون شخصية «لطيفة وجذابة».
من زاوية أخرى، جيل الألفية هو جيل مظلوم. تُرك معلقاً فى الهواء مع توقعات كبيرة، وإمكانيات متواضعة. كان طبيعياً أن يصبح هذا الجيل هو المحرك الأول لانتفاضة يناير. كان عمر سليمان محقاً عندما أطلق عليها فى البداية «ثورة الشباب». إنها انتفاضة حركتها الديموغرافيا قبل أى شىء آخر: 54% من سكان مصر تقل أعمارهم عن 24 عاماً. هناك 24 مليوناً تتراوح أعمارهم بين 15 و29 (سن حرجة حيث ليس لدى المرء غالباً الكثير ليخسره). الرقم الأخطر هو التالى: 87% ممن يعانون البطالة فى مصر هم بين سن 15 و29. البطالة بين حملة المؤهلات الجامعية عشرة أضعاف مثيلتها بين الفئات الأخرى. الكتلة الرهيبة من الشباب العاطل، أو الذى يعمل فى أعمال أقل من تلك التى يستحقها من وجهة نظره، تحركت لتسقط المنظومة السياسية كلها. العامل الديموغرافى كان حاسماً. امتلأت ميادين القاهرة – وهى من أكثر مدن العالم ازدحاماً- بمئات الآلاف من الشباب والمراهقين. لا يمكن لأى جهاز أمنى مواجهة تحد مثل هذا.
الظاهرة عالمية. هى تقلق المسؤولين فى دول مختلفة. قوة العمل تنمو بمعدل 12 مليون شخص سنوياً فى الهند التى شهدت تحركات شبابية منذ 2011. هناك 300 مليون شاب يعانون البطالة على مستوى العالم. بطالة الشباب محرك قوى لتوترات سياسية حتى فى دول مستقرة مثل إسبانيا وإيطاليا. جيل الألفية يسعى لكى يجد لنفسه مكاناً تحت الشمس. المؤسسات السياسية القائمة تحاول مواجهة التحدى واستيعابه.
فى مصر، تصدر جيل الألفية المشهد لشهور بعد انتفاضة 2011. تبين أن لديهم القليل الذى يستطيعون تقديمه لنقل المجتمع للأمام. ظهر أن لديهم الكثير من الثقة بالذات بلا أساس. صار واضحاً أن معرفتهم بمجتمعهم محدودة. قالوا كلاماً كثيراً أغلبه «معلب ومكرر». تحدوا «المؤسسة» دون تقديم بديل. مهدوا الطريق – بوعيهم «الطاهر»- لحكم التيار الدينى. أبناء جيل الألفية هم جناة وضحايا فى الوقت ذاته.
مواجهة هذا الجيل لتحديات المستقبل تتطلب تغييراً جوهرياً فى منظوره للأشياء. تتطلب الكثير من التواضع والقليل من حب الظهور. تتطلب من أبناء هذا الجيل -ولا أستثنى كاتب السطور- أن ينظروا أكثر لما يفتقرون إليه، بدلاً بالتفاخر بما يميزهم. تتطلب اتصالاً أوثق بالمجتمع وتجربته الممتدة. وكما قال المربى الأمريكى لطلابه فى ختام محاضرته القيمة: «تسلق قمة الجبل لترى العالم، لا لكى تجعل العالم يراك».