عزيزي الوزير: افهم. القمع أولا
بقلم: هانىء بن مسعود الشيباني
لا ادعي خبرة سابقة في مجال العمل الأمني، اللهم الا إذا اعتبرنا شغلي لمنصب قائد الشرطة المدرسية خبرة مؤهلة، لكن ببساطة، لا يحتاج من يعيش في مصر المحروسة، و في جاردن سيتي للأسف الشديد، أن يكون خبيرا أمنيا يحمل نسورا و سيوفا ذهبية على أكتافه ليعرف التعريف الغائب عن اذهان المصريين لقوة الأمن. نعم، قوة الأمن هي بتعريفها قوة قمع مقنن، يخلقها المجتمع لحمايته من الخارجين على قانونه – ليس قانون مجتمع آخر – و يعطيه سلطة تطبيقه بالعنف، إذا فشلت الوسائل الأخرى. و نعم، لن يحل الموقف الحالي إلا استخدام القمع و العنف لإعادة الأمن و ضبط الأمور. و أخيرا نعم نعم نعم سيدي الوزير، تحتاج أن تفهم القمع، أو لنقل، كيفية استخدامه..
لم تحرمنا الفضائيات و الشبكة العنكبوتية بتطبيقاتها المختلفة من متابعة كيف يتعامل الأمن المصري مع المتظاهرين، سواء اولئك الذين خرجوا الى الشوارع لاسباب سياسية او غيرها، بدءا من شرارة انتفاضة يناير. و في نفس الوقت، أمكنتنا ذات الوسائل من متابعة ما يحدث في مواقف مماثلة في دول أخرى، أوروبية متحضرة أو أخرى قد تكون أقل تحضرا. وهنا يظهر الاختلاف الرهيب بين نوعية و كفاءة قوات أمن غالبية تلك الدول وبين قوات الأمن المصرية، بما فيها قوات الجيش التي نفذت مهام حفظ أمن في العامين السابقين.
في لندن ونيويورك، لا توجد وفيات، ولا عيون مفقوءة…و هناك دلالات عديدة ان جنود الشرطة البريطانية يعرفون طريقهم الى دورة المياه و لايحتاجون لافراغ مثانتهم على رؤوس احد
حتى في لندن، بل وفي نيويورك، في دول حملت مشعل الحضارة و عرفت العالم معنى الديمقراطية الحرة و حقوق الانسان، استخدم العنف. رأيت بعيني تسجيل قامت فيه خيالة الشرطة الانجليزية بتفريق مظاهرة ما في لندن، اعتقد انها كانت احدى فعاليات “احتل لندن” المناهضة للراسمالية، عندما منع المتظاهرون موظفي كاناري وارف، الحي المالي بلندن، من الوصول الى مكاتبهم. وباعتباري كنت من المتظاهرين، بل من مدمني المظاهرات، في فترة الحياة الجامعية، اتخيل ان جنود الأمن المركزي، باجسادهم النحيفة، أخف وطاة بكثير من هجمة الخيول الأنجليزية الضخمة. كمتظاهر، لربما كنت ساشعر اني ثعلب أو ارنب مطارد في رحلة صيد. ولكن يا سبحان الله، لا توجد وفيات، لا توجد عيون مفقوءة، لا توجد مشاهد لحفلة ضرب جماعي بالعصي على شخص يحاول تغطية رأسه أو جسده، أو مشهد مميز لتنظيف الأسفلت بملابس شخص أو بجسده العاري -بدأت أشك أن السحل عادة مصرية أصيلة – و هناك دلالات عديدة ان جنود الشرطة البريطانية يعرفون طريقهم الى دورة المياه و لايحتاجون لافراغ مثانتهم على رؤوس احد. ولكن يوجد عدد كبير من المضبوطين، يحمل بعضهم مجموعة من الكدمات الزرقاء في أسوأ الظروف. لماذا؟ لأن الأمن لا يلعب دورا في فيلم “عاد لينتقم”، بل هو يؤدي مهمة محددة، يسيطر على المتظاهر بأقل عنف ممكن، يزين يديه المعطرة بروح الثورة بزوج من الاصفاد، ويدفعه الى الخلف ليتولاه من يقوم بتجميعهم للعرض لاحقا على السلطة المختصة. حتي أن في خلال أحداث الشغب في لندن في 2011، اضطرت المحكمة المختصة العمل حتي صباح اليوم التالي للتأكد من قانونية الاعتقالات، وإطلاق سراح من اعتقل خطئا. المسألة هي للأسف اختلاف في الحرفية، اختلاف يعيد الى الأذهان تخيل الفارق بين جند الإنجليز في التل الكبير، و قطعان الفلاحين المصريين يقودهم المشايخ و رومانسيي الثورة.
من ناحية أخرى، دعونا ننظر لأداء الأمن في مواقف أخرى. أتخيل أن يقوم ثائر، أو مدعي ثورة، بقذف الحجارة أو زجاجات فارغة أو حارقة على قوات الأمن، و غالبا تعزف الموسيقى الثورية في رأسه لتملأ الفراغ الواسع بين أذنيه. يظن، أو يتخيل، أن حجره يغير شيئا. لكن لا أستطيع أن امحو من ذاكرتي صورة الأمن المركزي، قوة الأمن التي ادفع أنا و غيري كل تكاليفها، تشارك في لعبة القاء الحجارة. بلا أي هدف أو معنى يستطيع أي عاقل فهمه. عزيزي الوزير، أطفال الشوارع و المدارس يفعلوا ذلك، وليس الجنود المدربين. الجنود تتعلم كيف تتقدم في حماية دروعها، تهجم بجدار الدروع و العصي، كمحاربي أسبرطة، و تفض التجمع الرئيسي ثم تقبض على من يبقى. لعبة الحجارة والزجاجات ليست لهم، ولم تثبت أي فاعلية أو تأثير إلا اضفاء صورة سلبية جدا عن الوزارة و رجالها. علم جنودك أن يحترموا أنفسهم، و المتظاهرين، وان يتعاملوا مع الموقف بحرفية، ليس بمنطق من أهين و يسعى لرد الإهانة بالعنف.
هناك تغيير ضروري آخر لا بد منه، وهو التعامل الإعلامي للحكومة مع الموضوع. لازال من يحكم مصر يظن أن المواطنين يتابعون القناة الأولى، أو مصر 25 الآن. يجب أن يفهم أولي الأمر أن الخبر، أو الصورة، بل و التسجيل الصوتي و المراي سيظهر، عاجلا وليس آجلا، و سيؤدي الى غضب شعبي لا يعقل. لماذا لا تتكلم الوزارة؟ لماذا لا يظهر متحدثكم المحترم، و يخبر شعبنا الجميل المهاود، أن الأمن سيطهر الكورنيش مثلا، و سوف يستخدم العنف أن لزم، ثم تقوم قواتكم الغاشمة بمحاصرة المنطقة و تطهيرها؟ واجه العنف بالعنف، إقبض على مثير الشغب، لا تتعامل بعنف شديد، بل بالقدر الكافي من العنف للسيطرة على الشخص، ثم ضعه خلف القضبان حتى يفصل فيه القضاء، هل هذا صعب؟ أذكر قصة عن جندي قوات مسلحة قام بافراغ مثانته من أعلى برج حراسة في موقع صحراوي أثناء مرور بعض الفتيات من بدو المنطقة، لا أعلم ان كان يظنه أغراء، عن طريق الخطأ، أو مجرد قصور تربوي،و لكني أعلم ان سيادة الجندي المحترم قضى حاجته لمدة ثمانية عشر شهرا في حمامات السجن الحربي. ماذا فعلت الوزارة لجندي الأمن الذي قام بنفس العمل من أعلى مجلس الوزراء، في شارع القصر العيني، ومنح العالم كله فرصة المشاهدة؟ الاجابة: لاشيء نعلمه.
أخيرا، عزيزي الوزير، لا يهمني أن كنت إخواني أو سلفي، لا يهمني أن رئيس الجمهورية إخواني أو غيره، هل تدري لماذا؟ لأن حكومتك منتخبة، و السيد محمد مرسي رئيس الجمهورية حتى يخسر انتخاباته، يكمل مدتين، أو يقضي ربك أمرا كان مفعولا. هذا ما اختاره شعب مصر، شعبنا الحبيب المهاود، صاحب مقولة ‘الحكم لمن غلب’، اختار من اختارك أنت للأسف، و سيعيش مع نتائج اختياره، لكن يا عزيزي، حاول أن تكون فعلا من سيحفظ الأمن ويفتح شرايين بلادنا المرورية المختنقة، بالقمع، بالعنف، بالسلاح الآلي أن لزم الأمر أو بالقبلات الحارة، الأمر سيان، المهم يا عزيزي الوزير، و بالبلدي كده، ‘حلل مرتبك”