إفتتاحية

تأسر البدايات قلوب البشر. ترتبط البداية بالأمل و الإقبال و برحابة المستقبل و إمكانياته. تَعِدُ البداية بفراق الماضي، تجاربه و إخفاقاته. و لكن في “بداية” تجربتنا هذه يستشعر مُحرِّرو المجلة أن أحلام البداية، على حلاوتها، كَبَّدَت البشرية، و مصر جزءٌ أصيلٌ منها، الكثير من المعاناة عندما تحولت من حافز الى عباده و ملجأ للهاربين من الواقع.

قبل عامين و في شتاء مصري دافئ، وقع الكثير من المصريين، و بعضنا منهم، في حب بداية جديدة. وَعَدَتْ انتفاضة المصريين في يناير ٢٠١١ بمستقبل نتجاوز فيه ماضياً مخيباً للآمال على جميع الأصعدة. وَعَدَتْ بالقفز فوق الواقع و تعقيداته فقط إن أخلصنا النوايا و ساوَيْنا الصفوف.

سال الكثير من الحبر في نقد انتفاضة يناير و الدفاع عنها، ووصلْنا إلى درجة من الاستقطاب صار معها مجرد اختيارنا لكلمة “انتفاضة” خياراً سياسياً نكتسب به المؤيدين و المعارضين. و لكننا في الحقيقة لا نريد الاشتباك في هذا الصراع. فكما هو الحال في ٢٤ يناير٢٠١١، لايزال الواقع المصري متجَاهَلا، و إن زاد تعقيداً في العاميين السابقين.

لازال الاقتصاد يرزح تحت وطأة أزمات هيكلية طاحنه تنذر بكوارث اقتصاديه و اجتماعيه إن لم تتم معالجتها سريعا. لازال العقل المصري أسيراً لنظريات المؤامرة التي كبَّلت مجتمعات أخرى ردا علي احباطاتها و فشلها. لازال مثقفو هذه الأمة يدافعون عن الجبن و العنصرية تحت مسميات مكافحة الاستعمار و الهيمنة. لازال حكم هذه الدولة، وان اختلف، يعاني من فقدان مزمن للشرعيه يهدد بانفراط عقد الدوله. ولا زال الحالمون ينادون بوحده وهميه في مواجهة دولة عميقه، ملّ الواقع من نفي وجودها.

هذه المواضيع و غيرها هي ما نأمل مناقشته في هذه المجلة. منطلقين، غير راجين بداية جديده، و لكن اشتباكاً متجدداً مع الواقع ليس فقط بمشاكله و لكن أيضاً بثرائه و دروسه.

المحررون